الثلاثاء، 29 سبتمبر 2009

من "يمشيها"؟

على مائدة إفطار ثاني أيام شهر رمضان، وأثناء تناولي الطعام مرتقبا غصة حتمية ستسببها برامج فضائياتنا المحلية، توقفت يدي عن مناولة الطعام لفمي لحظات ليظل فاغرا؛ لم أحسب حسابا  لابتلاع الغصة لشهيتي بدلا من ابتلاعي لها، والسبب، نموذج غير مسبوق للإرهاب وانتهاك لحقوق الإنسان الشرعية والقانونية على سبيل التسلية والترفيه تحت اسم "مشيها".
أسرة مصرية آمنة تحتفل بمناسبة اجتماعية خاصة (عيد ميلاد تقريبا) في أحد المطاعم بطرابلس، يقتحم خلوتها رجل الكاميرا الخفية منتحلا شخصية رجل أمن، ليروعها صغارا وكبارا متظاهرا بالتحقيق في ملابسات (جريمة) إقامتهم الحفل، ولينتهي المشهد بذات الجملة السخيفة (معاك الكاميرا الخفية)، هذا كعينة فقط عن 30 حلقة جسدت 30 معاناة وانتهاك صارخ لحقوق مواطنين في الأمان والاستقرار.
ورغم أن الحديث عن الأمر يدفع خلايا مخي قسرا لسكب جام الغضب والسخرية -مجبرا بقيد الأدب عن السباب- على كل من ساهم في إظهار هذا العمل، إلا أنني سأحاول التظاهر بالموضو عية لعرض إشكالاته الأخلاقية والقانونية والشرعية.

الإشكالات الأساسية في البرنامج :
- الاعتماد بشكل أساس على امتهان الضحايا كمادة لترفيه.
- تعريض الضحايا لضغوط نفسية وعصبية هائلة، وسط مجتمع تنتشر فيه أمراض العصر كالضغط والسكري، أدت هذه الضغوط في بعض الحالات إلى الإغماء والصراخ.
- عدم تقدير تبعات المقالب على حياة الضحايا الخاصة بعض عرض الحلقات (تحولهم إلى مواد سخرية من قبل محيطهم).
- تقديم رجل الأمن الليبي كرجل لا يقيم وزنا لحقوق الإنسان، آمر ناه، لا مجال لمناقشته ولا رفض تعليماته.
- استفزاز الضحايا إلى حد قد يدفعهم لارتكاب أفعال لا أحد يمكنه التكهن بتبعاتها، ولعل بعضنا يذكر الكاميرا الخفية الروسية التي قتل فيها أحد ممثلي الكاميرا الخفية من قبل أحد المتعرضين لمقلب (صندوق البريد الذي يلفظ الرسائل)، الأدهى والأمر أن إحدى الحلقات صورت في حي 2 مارس حاول خلالها الممثل العبث مع باعة اللحوم الذين تعودوا التعامل مع السكاكين كما نتعامل نحن مع الأقلام ولوحة المفاتيح، ولولا ستر الله واكتفاءهم باحتجازه لحدث ما لا يسر أحد بذكره ولا تذكره.
- بثه عبر قناة تابعة لشركة كرست نفسها سابقا عبر قناة الليبية للاهتمام والدفاع عن حقوق الإنسان الليبي وكشف الانتهاكات الممارسة ضده.
- الاستعانة بعناصر أمن حقيقيين خلال الحلقات.

البرنامج، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان :
-  في ديباجة الإعلان : " ... وينبع هذا الإلتزام من ميثاق الأمم المتحدة الذي يؤكد من جديد إيمان شعوب العالم بحقوق الإنسان الأساسية وبكرامة الإنسان وقيمته".
- مادة 3 : لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه.
- مادة 5 : لا يعرض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو الحاطة بالكرامة.
- مادة 7 :كل الناس سواسية أمام القانون ولهم الحق في التمتع بحماية متكافئة منه دون أية تفرقة، كما أن لهم جميعا الحق في حماية متساوية ضد أي تمييز يخل بهذا الإعلان وضد أي تحريض على تمييز كهذا.
- مادة 12 (بيت القصيد) :  لا يعرض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو أسرته أو مسكنه أو مراسلاته أو لحملات على شرفه وسمعته. ولكل شخص الحق في حماية القانون من مثل هذا التدخل أو تلك الحملات.
كل متابع لبرنامج مشيها رأى رؤى العين مدى الضغط النفسي والعصبي الذي يعانيه الأشخاص موضوع مقلب الحلقات، والأدهى والأنكى تعاون بعض أفراد الأمن في حلقات من البرنامج (لزوم الحبكة)، وهو ما يمثل مخالفة صريحة جدا لآخر جزء في المادة 12.

البرنامج، والشريعة (في ضوء الحديث الشريف) :
- المسلم من سلم الناس من لسانه ويده، رواه البخاري.
- { لا تحاسدوا، ولا تناجشوا،  ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخواناً، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه،  ولا يخذله، ولا يكذبه، ولا يحقره، التقوى ها هنا } ويشير إلى صدره ثلاث مرات { بحسب امرىء أن يحقر أخاه المسلم ، كل المسلم على المسلم حرام : دمه وماله وعرضه }، رواه مسلم.
- إنّ الله يعذب الّذين يعذبون الناس في الدنيا، رواه أحمد بن حنبل وأبو داود ومسلم.
- لا يحل لمسلم أن يروع مسلماً، رواه أحمد بن حنبل وأبو داود والبيهقي.

تبقى فرضية (حسن النية) أمرا واردا، فلعل معدي البرنامج لم يحسنوا تقويم استراتيجياتهم من كافة جوانبها، وبالنسبة لي، لا يرقى ظني إلى يقين تعمدهم الأذى للآخرين، ولكن اهتمامهم بتقديم مادة مثيرة عفوية -حسب تقديري- حجبت عنهم تقدير بقية التبعات.
حتى حين تسوية الموضوع من جوانبه، أترككم مع روابط ذات صلة:
http://www.alshames.com/details.asp?Id=3214&Page=4
http://tripolitanian.blogspot.com/2009/08/blog-post_30.html
http://www.333.ly/al33/t39300.html
http://www.libyanyouths.com/vb/t14731.html
http://www.un.org/arabic/aboutun/humanr.htm

... للحديث بقية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق