بسم الله الرحمن الرحيم
رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي
أخي الكريم: د.أنور الفيتوري
أسعد الله أوقاتك بكل خير،،
بلغني
من صديق مشترك أنك مستاء جدا مني شخصيا إلى درجة توكيلك أمرك معي إلى
الله، وأنك: "مش مسامحني لا دنيا لا آخرة"، "رغم قدرتك على مقاضاتي على
كتابتي علنا ضدك".
هذا الشأن جلل بالنسبة لي دينيا:
- لست زاهدا صدقا في علاقتي مع خالقي، الذي أغلظ للناس في تقصيرهم بينهم أكثر مما فعل في تقصيرهم معه عز وجل، لذلك لا أجد نفسي في حِل من الوقوف على الأمر لتوضيحه.
- ولكن دعني أستبق التوضيح بشهادة لا أخجل من تدوينها الآن لعلمي أنك عدت مواطنا ولم تعد مسؤولا في درجة وزير، لذلك لن يتهمني أحد بالتزلف لك قربى، ولن يتهمك أحد بأنك دفعتني "لتلميعك" قسرا لفقدانك "سلطانك"، وهكذا فإن شهادتي حيالك هي شهادة "بيني وبينك" أمام الله وعلى رؤوس الأشهاد.
- وجدت فيك خلال الفرص النادرة للتواصل المباشر نموذجا للإنسان الخلوق، الدمث، الملتزم، الذي يعتز به الإنسان صديقا، هذه الصداقة التي كانت ستؤطر لمتأمليها في عدة تبريرات جاهزة ستنال منك ومني بسهولة، أيسرها "بقداش شراه؟" عنك، و"متسلق ويدور في فرصة من قبل" عني، فأنا الموظف البسيط الواقع في نهاية الهرم، وأنت الوزير المشار له بالبنان، وكم شعرت بالأسى صدقا للظروف الاستثنائية التي كانت تجمعنا ضمن بيئة خلاف.
- كما يشهد الله أنني كدت أغرق آخر لقاء بيني وبينك في مكتبك باعتذار لك على ما نفذ من سترتك كوزير إلى جوهرك كإنسان عندما أحسست بحرقتك، لكن وقف أمام الاعتذار مانعان:
- الأول: تمثيلي لقضية تتصل بالموظفين في جلوسي معك.
- الثاني: احتمال اعتبار الاعتذار جزءا من سياسة، الغرض منها "ترطيب الجو" لدفعك إلى "التنازل" والمجيء إلى الشركة للتفاوض، أي وكأن الاعتذار حيلة متفق عليها لاستدراجك، وهذا مانع أقوى من سابقه.
من أجل هذا، دعني أكشف لك عن قاعدتي الشخصية في التعامل معك طيلة توليك الوزارة:
- د.أنور الفيتوري "الإنسان": شخص لا غبار عليه عندي، منحه المولى من سلم أحلامي ما أغبطه عليه، قلب يعيش ربيعا دائما بالقرآن، بيانا وقبولا حسنين، حياة علمية وعملية يفخر بها العصاميون.
- د.أنور الفيتوري "الوزير": شخصية اعتبارية عامة، لها ما للشخصيات العامة من مزايا، عليها ما للشخصيات العامة أيضا من مثالب، دخول إنسان معترك الحياة السياسية تجعله عرضة للنقد بأنواعه، وتتطلب منه رفعا لسقف التوقعات حيال النقد إلى أقصى الحدود، فحياة الشخصية العامة ملئى بالاجتهادات، التي إما أن ينالها التوفيق فيؤجر عنها ضعفين، وإما أن ينالها الإخفاق، فيؤجر عنها أجرا ونقدا لاذعا، وهذا حال عام يمكن مضاهاته بما يحدث في دول العالم، التي ينال النقد فيها رؤوساء الدول أنفسهم حتى النخاع.
- مجددا، نقدي في حقك كان موجها دائما نحو الوزير، لا الإنسان، فوجهة نظري كموظف في القطاع، أعتبر أن اجتهادك حيال الشؤون المتعلقة بالشركة لم يحظ بالتوفيق، والدليل تردي حال الشركة نتيجة ممارسات من تعاقبوا على إدارتها منذ التحرير وحتى الآن، وهؤلاء جاؤوا بمعيتك، وجهة نظري مؤسسة على وقائع على الأرض، وليست محض تخمين مرسل.
- أعلم يقينا أن اجتهاداتك مرشحة لأن تنبع من نية حسنة هدفها دفع عجلة العمل لا العكس، لكن حكمي وانتقادي مبني على النتائج، ولا أنكر احتمال جنوحي قسرا نحو افتراض سوء نية أحيانا، لكن تبقى النتائج واقعا لا يمكن تجاهله، واقعا معاشا بأشهره وأسابيعه وأيامه وساعاته ودقائقه وثوانيه، أحياه ويعيشه زملائي يوميا لساعات أطول من تلك التي نقضيها جوار أسرنا، بل وتؤثر على علاقاتنا الاجتماعية بعد العمل، يوميات تتراكم بمرها وأنت بعيد عنا، لا نرى فيها سوى أذرع محسوبة عليك تزيد من معاناتنا ومقدار سخطنا على ابتلاءنا بمن فوت علينا وعلى ليبيا استثمار شحنة الوطنية الهائلة بعد التحرير، لذلك لم يكن أمامنا من مشجب سواك كلما صدمنا حائط المسؤول المباشر أو الأعلى وحتى عتبات مكتبك.
هل كنت مدفوعا "للتهجم" ضدك دون تفكير، وهل فعلي سابقة في حد ذاتها؟
ظننت
أنك تتميز بالقدرة على الفصل بين حياتك الشخصية، وبين حياتك المهنية، إلى
درجة تفهم الانتقاد الموجه لك كوزير، ولكن ومع رسالتك التي أخبرنيها صديقي،
أجد نفسي بحاجة لأن:
أعتذر لك ومن كل قلبي على ما أثر فيك كإنسان
إعتذار
نابع من القلب الذي لا يهوى جمع العداوات، ويجد نفسه مضطرا للاصطدام
بالآخرين خلال حرب المبادئ التي يتمنى أن يراها واقعا معاشا ويعتقد أن دوره
إحقاقها في محيطه.
لماذا أكتب لك علنا ولا أجعل هذا الاعتذار بيننا؟
لأنني علمت أن ما ساءك هو كتابتي "ضدك" علنا، وربما اعتبرت هذا مبرمجا وممنهجا لغرض النيل من سمعتك كإنسان.
لهذا وجب أن يقرأ اعتذاري لك كل من طالع كتاباتي العلنية، حتى تتزن الكفة "وماتباتش فيك" في حال تسويتي سوء الفهم بيني وبينك سرا.
لا يعني هذا أنني لا أحتفظ بحقي في انتقادي لشخصيتك الاعتبارية.
ولا
أوده أن يعني لك بأنني أتزلف لتبقي مشاعرك تجاهي بعيدة عن القضاء الأرضي،
ما أخشى على نفسي منه هو القضاء السماوي، قضاؤه عز وجل، الذي يعلم بأن
خافقي لم يقصدك لذاتك مطلقا.
أمر آخر أحب توضيحه:
ذاتي
غير قابلة للإيجار، لست مرتزقا، ولا أعير طاقاتي لأحد كي يسخرني لأغراضه،
على العكس تماما، ما يحدث الآن داخل الشركة يعرقل حياتي الشخصية وتطلعاتي،
فلا قدرة عندي للانفصال عن الشركة حاليا كي أؤسس شركتي الخاصة، ولا للتفرغ
لاستكمال رسالتي، ولا رغبة عندي في مراكز داخل الشركة تخالف طبيعة اختصاصي
الذي بلغت ذروته داخل شركتي، ولن تعلو مراتبي المعنية إلا خارج الشركة إن
شاء الله.
أتمنى
أن تقبل اعتذاري لأنه نابع من قلبي، فإن لم تقبله من أجلي، فاقبله من
أجلك، لأن الله سيأجرك عن صفحك تجاهي أضعاف ما ستستفيده من عدم الصفح، وما
من أحد في نظري غني عن مزيد من الأجر والثواب.
بالنهاية، أستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مراد أعمار الأمين بلال
رئيس قسم الإعلام والنشر في شركة ليبيا للاتصالات والتقنية
ونائب رئيس النقابة العمالية لشركة ليبيا للاتصالات والتقنية - نعمل