خمسة أيام تقريبا، جسدت انعكاسا مباشرا لواقع مرير، منفلت أمنيا وإعلاميا وأخلاقيا، ساهم كل منها في إطالة معاناة جثمان الراحل د.عمر الرابطي فوق الأرض، قبل أن تحتضنه الأرض أخيرا بعد عصر الأربعاء 18/05/2016.
الجمعة، 13 مايو 2016، "النفس الأخير":
في الصباح الباكر، محافظا على ديدنه "المقدس" مثلما يصفه، أدار "عمر" محرك سيارته منطلقا نحو مسقط رأسه في الرابطة الشرقية، اللقاء بوالده وأشقاءه طقس لا يمكن تفويته تحت أي ظرف، لقاء يحمل سجالا مرحا معتادا بين أقطابه، في الطريق، تعود تزجية الوقت بالطرب، إما عبر مذياع سيارته، أو حنجرته، مكالمات عارضة تقطع وصل "السلطنة"، هذه المرة، من صديقه "رضوان الشيباني"، البدراني الطيب، الذي يضاهيه مرحا وتفوقا، كان عمر سعيدا جدا بعودة رضوان من ماليزيا حاملا شهادة الماجستير، حزينا لعدم إكماله مسيرة الدكتوراة التي توقفت بنضوب موارد رضوان الخاصة رغم تفوقه.
- وصلت للجامع يا رضوان؟
- مازال.
- خلاص وين توصل كلمني.
عندما ركن عمر سيارته بباحة منزل العائلة في الرابطة، لم يدر بخلده قطعا، أنه لن يرى شروق الشمس مرة أخرى، طوى الدرجات صعودا نحو المنزل، شاحذا سهام سخريته لينال من "ابراهيم" شقيقه الأكبر، الذي لا تطيب (الجلسة) إلا بسجال سخريتهما المتبادلة.
بضع اتصالات أخرى، أوصلت رضوان إليه، وكعادة عمر، رفض أن يتقاضى درهما نظير "ذَُكَّار التين" الذي سأله إياه رضوان، ولم ينس أن يجعل رضوان ذاته مادة لمرحه العابر، قبل أن يشيعه ويعود إلى حلبة السجال.
- عمر (بلهجة مختلفة، رددها والده الحاج "سالم" هذه المرة).
- نعم يا سِيدي. (سيدي هي رديف مفردة "والدي" لدى أبناء الحاج "سالم" عند مناداتهم إياه).
- قداش حقه حوشك؟
- زوز مليون. (عمر مازحا).
- بيع الحوش يا "عمر".
- يا سِيدي مش لقيتوه وين معاش قدرنا نقعدوا في الرابطة؟
- بيع حوشك يا "عمر"، أو تزوج.
- نبيع الحوش خير.
تتابعت الأحاديث مبتلعة الوقفة العابرة، ليقفل "عمر" عائدا إلى منزله قرابة الساعة الثالثة مساء، فهو يشارك هذه الأيام في تحضير عمل فني سيطلق خلال شهر رمضان.
لم يعلم عمر ولا والده، أن حدس والده، لم يكن مجرد قلق، بل فراسة وسبرا وقراءة لغور زمن قريب جدا.
*****
وقت الفاجعة:
الطريق من مسقط رأسه إلى منزله في طريق المطار قرب الأحياء البرية، يمر عبر طريق "بوشيبة" الذي ينتهي ببوابة في الطريق الرئيسي العام (بوابة الهيرة)، ثم طرقا فردية خطيرة نسبيا (يلتمس روادها أمانا فقدوه نتيجة انعدام الأمان في طريق العزيزية)، مرورا السبيعة، فقصر بن غشير، وصولا إلى طريق المطار وبيته في نهاية المطاف، هذه الطريق تستغرق قرابة الساعتين كحد أقصى.
رَكِنَ عمر سيارته بباحة منزله عند السادسة كحد أقصى، وصل عمر إلى بيته، استبدل ثياب خروجه بثياب المنزل، ومنذ وصوله إلى المنزل، وحتى انقطاع اتصالاته بكل من حاولوا التواصل معه منذ صباح السبت، تدور أحداث الفاجعة التي أفضت إلى وفاته.
السبت، 14 مايو 2016 (اليوم التالي):
رغم حرص عمر المستمر على إعادة شحن أجهزته النقالة، وهذا ما يجعلها بالتأكيد قادرة على استقبال المكالمات لمدة يوم كامل على أقل تقدير، إلا أن هواتفه ظلت مقفلة في وجه المكالمات الواردة منذ نهار السبت، وهو ما يعد مستغربا، ويشير إلى اقتران ظرف وفاته بسبب أفضى إلى إقفال هواتفه، لينتهي اليوم، دون حدوث تواصل بين أحد من أهله وأصدقاءه وبينه طيلة اليوم.
الأحد، 15 مايو 2016:
الهواتف ما تزال مقفلة، القلق يستبد بدرجات متفاوتة بمحيط الجيران والأصدقاء، بقاء سيارته مركونة في الباحة، دون أية مؤشرات لوجوده بالمنزل، دفعت جاره المتوجس دوما، إلى الاتصال المتكرر بالابن البكر لشقيقته.
- عماد راهو سيارة خالك قاعدة وهو ما يردش عليا، شوفوه خيره.
هذا السيناريو تكرر في السابق، كان عمر يبدده عبر رده على ابن شقيقته معبرا عن عدم قدرته على الاستجابة لطرقات جاره بسبب التعب.
- فيه سيارة ثانية في جراجه قاعدة ولا مهناش؟ (سيارة شقيقه التي قام بركنها بالباحة يوم الخميس الماضي).
- لا مهناش.
- خلاص معناها خالي طالع فيها.
بذل "عماد" جهدا لتبديد مخاوف الجار ومخاوفه هو شخصيا دون جدوى، والحق أن إلحاح الجار نجح بالنهاية في تصدير القلق إليه، فاتخذ عماد خطوة، لم يكن يعلم أنها توطئة لتحقق أسوأ مخاوفه، لا لتبديدها، عبر مكالمة قصيرة لشقيقه المقيم في طرابلس.
- "عبد الرؤوف" برا شوف خالك توا.
برهة من الزمن، واستقرت إطارات سيارة عبد الرؤوف أمام منزل خاله، الباب الخارجي موصد، سيارة خاله تقبع في مكانها المعتاد، دخل المنزل، لا شيء غريب، رائحة مزعجة بشكل ما تنتشر في الجو، يزداد تركيزها كلما شق طريقه تجاه غرفة نوم خاله، دخل الغرفة ليطالعه جسدا مسجى فوق الفراش وقد دثر رأسه ب"بطانية" ثقيلة، حتى هذه اللحظة، ما زال عقله يفسر الرائحة كنتيجة تعفن بقايا عضوية من نوع ما، حتى هذه اللحظة، يأبى قراءة سطور المشهد.
- نوض يا خالي وانت راقد مخلي الدنيا معفنة.
ازداد اقترابه من الخال (النائم).
- خالي ياسرك من النوم.
لسبب ما، بات يعتقد أن المسجى أمامه ليس خاله، فقوام خاله النحيل، ولون بشرته، مختلفان عن هذا البدن، أشاح الغطاء عن الرأس، ليكشف عن وجه شخص غريب، لم تحل هدوء تعابيره دون استنتاج فقدانه الحياة، الجسد يحمل آثار كدمات متفرقة، لم يعد قادرا على ضبط نفسه، فانطلق يصرخ خارجا من المنزل، لم يعلم كيف ولا متى استطاع الاتصال بشقيقه "عماد".
- عماد فيه إفريقي مقتول في سرير خالي ومغطي ببطانية.
- أمشي طول لأول مركز شرطة وبلغهم، أنا توا نبلغ خوالي ونجيك.
بضع دقائق مع نقاله كانت كافية لتأسيس متسلسلة انشطارية، وبينما انطلق قاصدا منزل عمر، طالتني المتسلسلة عصرا من خلال شقيقي "منير"، صديق عبد الله.
- مراد سمعت بعمر؟
أفلح سؤال منير فيما أخفقت فيه هواتف عمر المقفلة في وجه اتصالاتي طيلة السبت وصباح اليوم (كي أستلم صور مشروع تخرجي سنة 1999، التي ظلت بحوزته منذ إقامتي معه في منزل عمه بمنطقة الدريبي، عدم هوسي بصوري جعلني أتجاهلها طيلة السنين الماضية حتى ذكرني بها عمر بنفسه مساء الأربعاء لنتفق على اللقاء يوم السبت أو الأحد لاستلامها).
- إن شاء الله خير يا منير؟
- مفقود، وحوشه فيه واحد ميت، وعويلته مشغولين عليه، بالله عليك كلم خوه عبد الله.
ثوان وجد فيها صوت "عبد الله" المضطرب سبيله إلى أذني.
- خوي مراد ماشفتش عمر؟
- آخر مرة شفته الأربعاء اللي فاتت في حوشه، خير إن شاء الله؟
- جانا يوم الجمعة وروح لحوشه، لكن توا معاش لقيناه، حوشه لقينا فيه واحد ميت احتمال يكون مقتول، بالله عليك دور واسال صحابه.
- حاضر عبدالله.
وصل عماد بأقصى سرعة سمحت بها معادلة السيارة والطريق، سيارة خاله في مكانها، رجال الأمن كانوا قد سبقوه إلى المنزل الذي تغيرت صفته مؤقتا من منزل الخال إلى "مسرح جريمة"، قلبه يكاد يقفز من جوفه ليسبق قدميه نحو غرفة النوم، طليعة المشهد طمأنته رغم رهبة الموت، هذا المسجى لا يبدو كعمر، ورغم تدفق جنوني لأفكار بلا رأس أو ذيل، تقدم ليتأمل الجسد المجهول.
الميت يبدو نائما لولا انقطاع أنفاسه، ممتليء مقارنة بعمر، مضجع على ظهره، كفاه تختفيان خلف فخديه، هل هو مقيد؟ اقترب ليتحقق فوجده دون قيد، كدمات تنتشر في أنحاء جسده، ساقاه، صدغه، فمه، ثمة دماء على السرير، بقليل من الجهد تبين أن مصدرها أذن الميت، ثمة كدمة ظاهرة على جانب الرأس فوق الاذن، كدمة أخرى فوق الحاجب، مهلا، لماذا يبدو هذا الصدغ والجبين مألوفين، أقترب أكثر، هذا الأنف أيضا يوسع دائرة رعبه، لطالما تنذر بشأنه مع خاله، أمعاؤه تتقلص والرعب يتصدر مشاعره، تقلصت المسافة بين وجهيهما ليتفرس فيه تحققا، ليتراجع حتى الجدار ويقاوم تخاذل قدميه، اتصالات متكررة لم يعد قادرا على إجابتها لأن الإجابة أسوأ من عدمها.
بينما كنت منشغلا بتحضير كيفية التواصل مع شبكة أصدقاءه ورفاقه عبر الهاتف ومواقع التواصل، قاطعني اتصال د. علي البهلول:
- مراد نبي نسألك على خبر سمعته.
متوقعا مطابقة خبره لخبري سألته، شن سمعت؟
- الشيخ البهلول أبوعرقوب بعث مسج لادريس المناعي قاله فيها "عمر في ذمةالله".
واثقا من نفسي ومصححا له، أجبته:
- لا عليوة، الميت اللي في حوشه مجهول، عمر مفقود وخوه طلب مني ندور صحابه ونسألهم.
- متأكد؟
- 100%، مع هذا توا نزيد نتصل بيه ونرد عليك.
اتصال سريع بمنير:
- أيوة مراد؟
- منير كلمني علي البهلول وشكله سمع بالموضوع غلط، وعدته نتأكد ثاني.
- أنت وين مراد؟
توطئة يرفض عقلي تحليلها.
- شن منير؟
- شن وضعك تمام؟
- هو؟
- إيه.
- لا حول ولا قوة إلا بالله.
انتهت المكالمة التي جرت عفوا في حضور زوجتي وبناتي، كنت بحاجة لخلوة عاجلة بعيدا عن أعينهم المسمرة بي وقد فهموا تماما ما عجزت عن استيعابه.
شريط طويل يمتد منذ 94 وحتى الآن مر سريعا، ذروته 5 سنوات أقمت فيها معه، و....
لا أعلم متى وردني اتصال من عماد قطع سيال الذكريات.
- عظم الله لكم الأجر يا عماد.
- أثابكم الله مراد، معليش بنهدرز عليك شوية.
- تفضل عماد.
- أنت تعرفه خالي كويس، تعرفه يرقد على ظهره؟
- لا، يا يرقد على جنبه يا بطنه.
- يغطي في وجهه لما يرقد؟
تذكرت نزاعي المتكرر معه لأنني كنت أفضل تغطية وجهي أثناء النوم خلافا له، الأمر الذي دفعنا أحيانا لاستخدام أغطية منفصلة لكل منا.
- لا.
- لقيناه راقد على ظهره ووجهه مغطي ببطانية.
- سامحني عماد وضعك يسمح نسألك؟
- تفضل مراد.
- شن سبب الوفاة؟ يعني كيف مقتول؟
- جسمه فيه ادمديمات، فراشه فيه عليه دم طالع من ودنه، حاجبه وفمه فيه عليهم زي الضربات، واللي قاتلينه خانبين نقالاته واللابتوب متعه وسيارة خالي.
- هل الحوش مفقوع؟
- لا، الباب الخارجي والأبواب والشبابيك طبيعيات، حتى الحوش مافيشي حاجة غريبة.
- معناها اللي قتله يعرفه، جاه واتصل بيه وعمر فتحله ودخله، وهذا علاش خذا موبايلاته باش يختفي معاهم اتصاله في سجل المكالمات.
- مزبوط.
- لا حول ولا قوة إلا بالله، وهو وين توا، وأمتى الجنازة؟
- في السبيعة، بعد تقرير الطبيب الشرعي تقريبا غدوة الجنازة.
انتهت المكالمة، وقشرة عقلي تسول لي النوم لأستفيق وأجد ما حدث مجرد حلم سببه عشائي المتأخر، لكن جانبا موضوعيا قبيحا من عقلي رفض نقيضه، فوجدت تسرية في موقع فيسبوك، بحثا عن نجيب ابن عمه، لأجد خبر مقتل عمر قد شق طريقه قبلي، بصورة فيها مبالغة وتهويل كالعادة.
استطعت التواصل مع نجيب ابن عمه وتعزيته، نجيب عضو تدريس بدوره في كلية الفنون، وحياتهما العملية تلتقي كثيرا مقارنة بأبناء عمومته، ورغم المأساة، سررت لما دونه أصدقاءه وزملاءه وطلابه، نصوص حصاد زرعه عمر بمرحه وبشاشته وشقاوته وكرمه، لا أعلم كيف مضت الليلة، كانت زوجتي قد رتبت إذن تغيبي الطاريء عن العمل مع زميلات يعرفنها بالشركة، تيسيرا لخروج مبكر تجاه الرابطة نهار الغد لأداء واجب العزاء، أخجلني تلقي العزاء من أصدقاء مشتركون يعلمون طبيعة وعمق العلاقة التي جمعتني به، من بينهم رضوان، وائل، فتحي، هشام، شاطرني رضوان الحرص والعناد على حضور العزاء مهما كانت الظروف، اتصلت بعبد الله لأنسق معه كيفية الذهاب معهم رفقة جثمان عمر بسبب جهلي دروب الطريق المرتجلة الملتوية نتيجة الظروف الأمنية، المرارة الكاملة ، سقانيها رده:
- عزاكم مقبول يا مراد، بالله عليكم ما تجوش، وبالله عليك بلغ صحابه ما يجوش وعزاهم مقبول، الأوضاع والطريق بالهون ومش ناقصة، إدعوله ربي يرحمه.
*****
الإثنين، 16 مايو 2016 (يوم عبثي):
في الصباح، كنت على موعد مع إسفاف جديد، هذه المرة، الرواية التي اعتمدتها وسائل الإعلام في تناقل خبر وفاته، مؤسسة على منشور أطلقه شخص مجهول بالنسبة لي، وصفه الإعلام بالصديق المقرب لعمر، يتحدث عن وقوفه على أسباب الوفاة بنفسه من داخل المستشفى التي استضاف جثمانه، واصفا وفاته بالطبيعية، معززا وصفه بمشاهدته الشخصية للجثمان، وبشهادة مدير مكتب الإعلام بالمستشفى، وزميل إعلامي له، رافقه في زيارته المتأخرة، منهيا منشوره بنصح دعوي باتقاء الله.
زاد الطين بلة، تقرير الطبيب الشرعي، الذي عزى الوفاة لسكتة قلبية طبيعية، متجاهلا إيجاد تفسير للكدمات أو الدم الخارج من أذنه، ناهيك عن ملابسات اختفاء مقتنياته وسيارة شقيقه، تكفل الباحثون عن ترسيخ الانطباع عن "الأمان" في طرابلس لأسباب اصطفافية، بتناقل المنشور، لا لرثاء عمر، بل لإخراس القائلين بالوفاة المدبرة، وكان لهم ما أرادوا، سواء من وسائل الإعلام أو المتابعين للحادث.
يقين أهله بوفاته غير الطبيعية، دفعهم لعقد العزم على كشف الحقيقة مهما كان الثمن، بدءا من تجاهل التقرير وتصريح الدفن، وتأجيل الجنازة إلى حين عرض الجثمان مجددا على طبيب شرعي آخر، هذا القرار، استنزف المزيد من الوقت والإجراءات، أطالت معاناتهم ومعاناة الجثمان.
- كيف حالك اليوم عبد الله.
- الحمد لله مراد.
- بنسألك على حال عمي سالم وخالتي فاطمة.
- والله ماقدرنا نقولولهم يا مراد، أنت عارف حالهم وربي يستر.
- لا حول ولا قوة إلا بالله، كان الله في عونك يا عبدالله.
- صحيت يا مراد.
أغلقت الهاتف مشفقا على عبدالله، ورغم ضيقي الشديد من إسفاف وسائل الإعلام وعدم موضوعيتها في تعاطي الخبر، إلا أنني لم أستطع إغراق عبد الله معي في هذا المستنقع، مكالمات عدة دارت بيني وبين نجيب وعماد ورضوان وفتحي، استطاع رضوان انتشالي من حيرتي نهائيا بشأن حضور الجنازة من عدمها وفقا لطلب عبد الله، فتواعدنا على الترافق معا فور انتهاء إجراءات الدفن الجديدة.
كالحبيس، ظللت أسطر وأحذف نصوصا للرد على "الصديق المقرب"، حالتي النفسية ماكانت لتسمع بنظم نص متزن، فانتصر الحذر والحكمة على الغيظ، عازما على إعداد رواية تجميعية أبنيها على الحقائق فقط، من مصادرها، مرجئا سجالي مع "الصديق المقرب" إلى الجنازة، التي توقعت حضوره القطعي لها.
اجترار لذكرياتي مع عمر، وإنكار دفين لوفاته، وغموض هائل يحيط أسباب نشر الخبر المضلل والتقرير الصادم، شكوك مرعبة -وضئيلة- حول وجود ارتباط ما بينهما، حجبا أفق اليوم، الذي لا أعرف حتى كيف انتهى.
*****
الثلاثاء، 17 مايو 2016، (الغروب الأخير):
المقربون من عمر -رحمه الله- يعلمون أن زيارته لهم في محل عملهم، لن تمر دون اكتسابه صداقات جديدة، وهذا ما حدث معي في محيط عملي، سواء بشركة ديجيتل، مرورا بمصرف الأمة، وانتهاء بشركة ليبيا للاتصالات والتقنية، لغرض في نفسي، قطعت إجازتي، متلقيا التعازي من زملاء العمل السابق والحالي، هاني ميكاط، رضا بن موسى، سالم الهدار، متباينو الأعمار والاختصاصات والمشارب، متفقون على حبهم له.
مكالمات معدودة، علمت من خلالها أن أسرة عمر، تابعت بصبر منقطع النظير، إعادة الإجراءات، التي بدا أنها ستطول، مناشير نجيب، بشأن الإعلان عن موعد الجنازة، ثم تعليقها دون الإعلان عن موعد جديد، ترجمت هذا الصبر عمليا.
على صعيد آخر، "صديقه المقرب"، وتحت وطأة الانتقاد الحاد، حذف منشوره السابق، ونشر منشورا جديدا، يعترف فيه "على استحياء"، بأنه مغرر به، وأن إدارة المستشفى تتحمل مسؤولية تصريحه السابق، ليعود إلى الخلط والتدليس بقصد أو بدونه، عبر حديثه عن زيارة أجراها إلى جار عمر، ذلك الجار الذي "يعير" عمر دجاجاته ليربيها له، دجاجات تكاد تنطق شكرا وعرفانا لمالكها الحقيقي "عمر"، الذي لم يمتلكها جاره يوما، وإن طاله الأجر نظير رعايته -أي الجار- لها عند غياب عمر، وليس العكس، هذه الرواية المغلوطة، فاقمت عندي الشعور بالأسى تجاه هذا "الصديق"، الذي يعمل إعلاميا دون أن يمتلك حس الصحفي الاستقصائي، الذي يتأكد ويتحقق قبل نشر مادته، لكن اعتذاره الهزيل -بالنسبة لي- ما كان ليعوض وأده لقضية مقتل عمر، التي طواها الإعلام على ضوء منشوره السابق.
بتقادم الساعات، العزاء الوحيد بالنسبة لي، كانت نصوص رثاءه من أصدقائه، عبد القادر اللموشي، طارق الرويمض، عماد خماج، المجموعة الخاصة بكل من كلية الفنون والإعلام، والجمعية الوطنية للمتفوقين والمواهب، عدا هذا، بدا جليا أن عمر، لن يستقر في مثواه الأخير هذا اليوم، وأنه على موعد مع شروق جديد فوق الأرض.
*****
الأربعاء، 18 مايو 2016 (الشروق الأخير):